حوار حول وثيقة الزواج الجديدة



علماء لجان الفتوى يرْفضون وثيقة الزَّواج الجديدة:


بُنِي عقْد الزَّواج في الإسلام على تحقيق الأُنْس والسكن، والموَدَّة والرحمة، وجَعَلَهُ ميثاقًا غليظًا، أوْصى فيه الرجل بالمعاشَرة بالمعروف، والإحسان إلى المرأة، وكأنَّها جزْءٌ منه، وتلك إشارة قرآنيَّة في كلِّ ما يَتَعَلَّق بالزَّواج؛ حيث يقول سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، وبما أنَّ الإنسان لا يُحب أن يؤذَى عضو منه، حيث يتداعى له سائرُ الأعضاء بالحمَّى والسَّهر، فكذلك اقتضى التَّشبيه أن تكون الزوجةُ كالعضْو من الإنسان، ثمَّ إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد رَكَّزَ الموَدَّة بين الطرَفَيْن على أنَّه فطرة وغريزة، يودُّ كلٌّ منهما الآخر، وحفاظًا على كرامة المرْأة جعل الرَّجُل هو الطَّالب لها، المنفِق عليْها.


 


وبناءً على هذه القواعِد والضَّوابط؛ لم يَجعل الإسلام هذا العقد مجالاً لشروطٍ يضَعُها الزَّوج أو تضعُها الزَّوجة من واقع نظْرة كلٍّ إلى مصلَحتِه الشَّخصيَّة، فالَّذي شرع لهما غير متحيِّز لأحدِ الطَّرفين، وحُكْمه ملْزِم لهما معًا.


 


بهذا يفترِق عقد الزَّواج عن العقْد المدني، الَّذي ينظُر فيه كلٌّ من الطَّرفين إلى المصلحة المتوقَّعة من وراء هذا العقد، وما ظهر في الآوِنة الأخيرة من ضرورة عرْض الزَّوجة على زوْجِها شروطًا يأْباها الشَّرع، ممَّا يبدو أنَّه أثر من آثار مؤتَمر السُّكَّان الَّذي عُقِد في القاهرة، والَّذي طرح فيه تعديل القيم السَّائدة في الأسرة الإسلامية بحيثُ تتَّفق مع أنْماط الحضارة الغربيَّة الزَّائفة.


 


ومن خلال هذا الحوار الَّذي بين أيدينا نستوضِح:


رأي الشَّرع على لسان العلماء والفقهاء في وثيقة الزَّواج المقترحة، من خلال إجابتِهم وبيان وجْهة نظر الشَّريعة الإسلاميَّة في عقْد الزَّواج، وكيف يتمُّ، وهل يَجوز أن يشترِط أحَدُ الزَّوجَين شروطًا معيَّنة على الآخر، والآثار المترتِّبة على الوثيقة في حال تطْبيقِها؟


 


يقول الدكتور محمَّد عبدالوهاب عبداللطيف مدير عام الوعْظ بمنطقة الجيزة الأزْهريَّة:


إنَّ الواقع الَّذي قرَّرته الشَّريعة الإسلاميَّة أنَّ الزَّواج مبْناه على المودَّة والرَّحمة؛ فالله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه الكريم: ﴿ وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].


 


فلماذا نتجاهل هذه الأُسُس الَّتي وضعها الإسْلام، وقد جعَل الإسلام العلاقة الزَّوجيَّة مبْناها على المودَّة والرَّحمة؟!


 


أمَّا هذه الشروط وهذه القيود فإنَّها قد تكون سببًا في قطْع الأواصر، وقطع العلاقات؛ وبالتَّالي تجعل من الزَّوجة زوْجةً متمرِّدة على زوْجِها.


 


وكأنَّ الزَّوجَ محكومٌ بأُطُر معيَّنة، وهذه أمورٌ لا ينبغي أن نَخلط فيها المقبول وغير المقبول، وإنَّما عليْنا أن نتمشَّى مع العلاقة الَّتي رسَمها الإسلام.


 


والعلماء جميعًا يعتبِرون أنَّ الوثيقة القديمة فيها كلّ الكفالات والضَّمانات، فلا داعيَ أن نُضيف وثيقة أخرى، ونجعل الطَّلاق قبل كلِّ شيءٍ مفترضًا، في حين أنَّنا ينبغي أن نستبعِد هذا الأمر قبل بداية العلاقة الزوجيَّة.


 


وعن بنود الوثيقة المقْترحة، والتي تُساعد على أن يَشيع الزَّواج خارج الدَّوائِر الشَّرعيَّة وينتشِر الزَّواج العرفي بين الشَّباب والفتيات، يُواصل الدكتور محمد عبدالوهاب قائلاً:


في الواقع إنَّ هذا أمر سوف يقع مستقبلاً من بعض الشَّباب؛ لأنَّ الشَّابَّ لا يستطيع الوفاءَ بِهذه الالتِزامات وبتِلْك الشُّروط، وكذا الفتاة، سوف يلجآن إلى الهروب من هذه الوثيقة نهائيًّا، ويلجآن إلى الزَّواج العرفي، والزَّواج العرفي أمر منبوذ؛ حيث إنَّه لا يوثَّق، ويترتَّب عليه مخاطر كثيرة، منها أنَّ الإنسان لا يستطيعُ أن يُثْبِت نسبَ أوْلادِه، ولا تَستطيعُ الزَّوجة أن تُثْبت حقوقَها كما هو سائر الآن.


 


نظرة الشريعة إلى عقد الزواج:


القاعدة الأساسيَّة لعقْد الزَّواج هي المودَّة والرَّحمة القائِمة بين الزَّوجين، فلا نُريدُ أن نكبِّل الزَّوجين - وخاصَّة الزَّوجَ - بكلِّ هذه القيود؛ لأنَّ الشَّريعة الإسلامية تكفَّلتْ بكلِّ هذه الضَّمانات.


 


ونظرة الشَّريعة الإسلاميَّة لعقْد الزَّواج تقومُ على إيجاب وقبولٍ من الزَّوج والزَّوجة، وأن يكونا بِمحضر وليِّ الزَّوجة، وكذلك بوجود شاهدَين.


 


وهذا هو المتعارَف عليه في الشريعة الإسلاميَّة، وإذا كان الآن بالنِّسْبة للوثيقة التي تحرَّر بين الزَّوجين إنَّما هو إثبات للنَّسب وضمان له؛ خوفًا من الذِّمَم الخرِبة والضَّمائر الميِّتة، وطالَما أنَّها تدخُل في إطار ونطاق السِّياسة الشرعيَّة، فلا بدَّ أن يسجَّل هذا الزَّواج في وثيقة رسميَّة؛ ضمانًا للنَّسب وحفاظًا على حقوق الزَّوجة.


 


كيف تحلُّ مشاكل المجتمع في أمور البناء وتكوين الأسرة؟


يُضيف الدكتور محمد عبدالوهَّاب: أنَّ المشكِلة إذا طرحْناها على المفاهيم الإسلامية سوف تَجد الحلول العمليَّة؛ ذلك أنَّ أوْلياء الأمور الآن يتعسَّفون في فرْض مهورٍ غالية، وضرورة وجود شقَّة ووجود كذا وكذا وكذا، شروط فيها نوْعٌ من التعسُّف؛ ولذلك أعْرض كثيرٌ من الشَّباب عن الزَّواج؛ لأنَّه ليس في إمكانِه أن يستجيبَ لكلِّ هذه الشُّروط، فيا ليْتَنا نعود إلى الشَّريعة الإسلامية التي يسَّرت أمر الزَّواج، وجعلت الإنسان يُمكنه أن يتزوَّج ولو على تَحفيظ سورة من القرآن.


 


ولكنَّنا لجأْنا إلى أمور تعسُّفيَّة بِمغالاةٍ في المهور، وفي نفْس الوقت باشتِراط شروط يعجِز الإنسان عن تلبِيتِها، وأصبحتِ الزَّوجة لا تقتنِع بأن تَعيش في بيْت والد الزَّوج مثلاً، أو في بيت الأسرة.


 


وكلّها تعْقيدات ما يَنبغي أن تكون، وعليْنا أن نبدأ بسماحة الإسْلام، وأن نتعرَّف كيْف تزوَّج عليُّ بن أبي طالب، وكيف تزوَّج عمر بن الخطاب، وكيف تزوَّج هؤلاء الصَّحابة وتزوَّج السَّلف الصَّالح من بعدهم، الَّذين كانوا يَختارون لابنتِهم الرَّجل الصَّالح، وقيل للحسن: إذا كان لك ابنةٌ، فلِمَن تزوِّجُها؟ قال: أزوِّجُها لتقيٍّ؛ لأنَّه إذا أحبَّها أكرَمَها، وإذا أبْغَضها لم يظلِمْها.


 


الوثيقة المقْترحة تَجعل كلاًّ من الزَّوجَين يتربَّص بالآخر:


وفي لجنة الفتْوى بالأزْهر الشَّريف، لكي نتعرَّف على الرأي الشَّرعي في كل ما يدورُ حول تلك الوثيقة المشبوهة.


 


يقول فضيلة الشَّيخ عبدالعظيم الحميلي عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:


إنَّني سمعتُ وقرأت بعضًا من هذه الشُّروط، والأَوْلى لوثيقة الزَّواج ألاَّ تتضمَّن شروطًا لو فتَّشها كلٌّ من الزَّوج والزَّوجة لتوقَّف كلٌّ منهما موقفًا واسعًا في أن يتمَّ الزَّواج أو لا يتم، ولكن هذه الشُّروط على ما هي عليه تُوجِد في المجتمع الآن شكوكًا، وكلّ من الزَّوج والزَّوجة يتربَّص بالآخَر: هل وفى بالشُّروط أم لم يفِ؟


 


هذه كلُّها من الآثار، فأوْلى بالمسلمين الآن ألاَّ يُضيفوا إلى وثيقةِ الزَّواج أكثر من الإيجاب والقبول، والمهْر والشُّهود والولي، ووجود المهر المتَّفق عليه بين الطرفين، إذا تمَّ ذلك تمَّ العقد وتمَّت شروط صحَّته، وأمَّا أن يزيد المسلمون شروطًا أُخرى فإنَّ هذه الشُّروط الأخرى لا نرى أنَّها تُساعِد الزَّوجَين على البقاء، وإنَّما قد تساعد أحدَهما على الفِرار من الآخَر.


 


الوثيقة المقترحة تتجاهل تصريف الله في أمور خلقه:


البعض يصِف وثيقة الزَّواج المقترَحَة بأنَّها نتاج علمنة سافرة، وتتجاهل تصْريف الله في أمور خلقه، يقول فضيلة الشَّيخ عبدالعظيم الحميلي: إنَّ التَّوصيف بعلمنة سافِرة وغير ذلك توْصيف غير دقيق، أو نقول: إنَّ هذا لا يتَّفق مع ما أمر الله به في الزَّواج من المودَّة والرَّحْمة والمحبَّة، والَّتي توجد بين الزوجين، ومُخالفتها هي أنَّها تلْفت الناس عمَّا أمر الله؛ ﴿ وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، فهذه المودَّة وتلك الرَّحمة ينعطِف النَّاس عنها الآن ويهمِلونَها بمثل هذه الشروط، دائمًا كلّ شرط في وضْعِه يتحسَّس صاحبُه ويلتمِس ما يبرِّر له هذا الشَّرط، وإذا حدَث مثلُ هذا بين الزَّوجَين، فإنَّ الزَّواج لن يكون مودَّة ورحمة؛ وإنَّما يكون نكدًا ونكادًا.


 


الوثيقة لا ضرورة تقتضيها، ولا أسباب تدعو إليها:


والوثيقة بوجْه عامّ - والكلام على لسان فضيلة الشَّيخ/ عبدالعظيم الحميلي - لا ضرورةَ لها، ولا أسباب تدعو لأنْ نعمل بها.


 


على أنَّها فيمن شرَّعَها يقولون إنَّها اختيار، وهذه الوثيقة إذا كان الأمر كذلك، فليترك الناس يتزوجون بمودَّة الله، وبمحبَّة الله، وبرضا الله، وبعفَّة النَّفس عمَّا حرَّم الله، وهذا هو المطْلوب في الزَّواج.



لا بدَّ من التِقاء إرادة المتعاقدين على إبْرام العقْد بصورة لا تُخالف شرْع الله.




يقول الدكتور جمال المراكبي عضْو لجنة الفتْوى بأنصار السنَّة، وعضو لجنة البحث العلمي:


إنَّ عقد الزَّواج كغيرِه من العقود يَخضع لشروطٍ تَضبط العقود بصفة عامَّة، هذه الشُّروط فحْواها أن تلْتقي إرادة المتعاقدين على إبرام العقْد بصورة لا تُخالف ما شرَعه الله، يبْقى ما شرعه الله كأنَّه غطاء أو ضوابط سياديَّة لا يَجوز للمتعاقدينِ أن يخالفاها، ثُمَّ يَجوز بعد ذلك للمتعاقدين من خلال هذه الشُّروط أن يتَّفقا على المعاملة التي يريدان.


 


والزَّواج، الأصل فيه أنَّه عقد شكلي يقوم على تلاقي الإرادَتَين.


 


وقد جعل الله - تبارك وتعالى - من شروط الزَّواج أنَّه يبرمه عن الزوجة وليُّها، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء والفُقهاء؛ فالأحناف فقطْ أجازوا للمرأة أن تبرم عقْد الزَّواج بنفسِها، باعتبار أنَّ هذا أمر يخصُّها.


 


وجمهور العلماء قالوا: يَجب على وليِّها أن يقوم بنفسِه على إبرام العقد؛ واستدلوا بقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا نِكاح إلاَّ بوليٍّ وشاهدي عدل)) وقولِه: ((أيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ نفسَها، فنِكاحُها باطل باطل باطل)).


 


فهذه الصورة أعطتْ شكلاً بالنسبة للمتعاقدين أن يقوم وليُّ الزَّوجة نيابةً عنْها في إبرام العقد، طبعًا هناك شروط تتعلَّق بالأهلية للزَّواج أن يكون أهلاً لذلك.


 


هناك شروط وضعت بعد ذلك كنَوع من أنواع ضبْط شروط هذه المسألة، كالشَّرط الضِّمْني الَّذي وضعه القانون المصْري والَّذي يقول: لا تُسْمع دعوى الزوجيَّة.


 


والحقيقة أنَّ هذا الشَّرط يغيب عن الكثيرين، إنَّ القانون قال: لا تسمع دعوى الزَّوجيَّة عند الإنكار؛ إلا إذا كان العقد موثَّقًا وثيقةً رسميَّة، يبقى العقد العرفي عقدَ زواجٍ صحيحًا تتلاقى في الإرادتين الإيجاب والقبول، يَجتمع فيه الشهود، يتَّفق تمامًا مع ما شرعه الله، وما وضعه الله من ضوابط بالنسبة لهذا العقد.


 


ولكن لا يأْتي التَّوثيق ليضْمن ما اتَّفق عليْه النَّاس في المستقبل، وإنَّما يأْتي التَّوثيق كنوْعٍ من أنواع الكتابات التي جعلتْ بالنسبة لكل العقود؛ كبيع وشراء وغير ذلك؛ حتَّى لا يأتي من يدَّعي غير ذلك.


 


ولكنَّ الأصل في عقْد الزَّواج أنَّه إيجاب وقبول وولي ينوبُ عن المرأة، وشاهدا عدلٍ يشهدان على العقد بأنفُسهما، وإذا اتَّفقا على المهر وسمَّياه في العقْد فهذا شيءٌ طيِّب، وإذا لم يسمِّياه فالعقد صحيح، ويُحْكَم للمرأة بعد ذلك بِمهْر مثلها، يعْني أنَّ الوثيقة لا تشترط أن يُكْتَب فيها كلُّ شيء يتعلَّق بالحقوق الزوجيَّة، وإلاَّ فالفُقهاء قالوا: العقد صحيح ولو لم يسمِّ لها مهرًا.


 


هل يجوز لأحد من المتعاقدين أن يشترط شروطًا لصالحه في العقد؟


يقول الدكتور جمال المراكبي: إنَّ هذه المسألة مسألةُ خلافٍ بين الفُقهاء، منهم مَن وسَّع في هذه الشُّروط وقال: نعم، يجوز لأحَد العاقدين أن يشترط ما شاء لنفسِه، طالما أنَّ الطَّرف الآخر يوافِقُه، ومنهم مَن ضيَّق هذه الشروط وقالوا: لا؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كلّ شرْطٍ ليْس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط)).


 


اختلفوا هل لو قالت المرأة: لا تخرجني من بلدي، فوافق الرجُل، هل هذا يعدُّ شرطًا صحيحًا؟


 


منهم مَن أجاز، ومنهم مَن لم يُجِز.


 


هل لو قالت المرأة: لا تتزوَّج عليَّ، منهم مَن يُجيزه ومنهم مَن لا يُجيزه.


 


الوثيقة المقترحة ستفْتَح على النَّاس أبوابًا يظنُّون أنَّها من الخير، لكنَّني أرى أنَّها ستفتَحُ على الناس أبوابًا من الشَّرِّ، والوثيقة المقترحة بالشُّروط التي يراد أن تَحتويها تفتَح على النَّاس أبوابًا من الشَّرِّ؛ لأنَّهم سيختلفون على هذه الشروط ابتداءً.


 


يعْني إذا عرضت هذه الشروط بالوثيقة اختياريًّا؛ بمعنى: أنَّ كلاًّ من الطرفين له أن يَختار ما يشاء من الشُّروط، ستفتح أبواب صراع وجدال قبل الزَّواج، وإذا كانت هذه الشُّروط إجباريَّة على الوثيقة، وهذا أمر خطير؛ لأنَّ الأصل في عقْد الزَّواج أنَّه لا يأْتي متضمِّنًا الشُّروط، يعرضها ويقترحها مَن يريد، بشرط أن يكون الشَّرط صحيحًا شرعًا.


 


وكما ذكرت، فالفقهاء اختلفوا توسيعًا وتضييقًا في هذه الشروط.


 


وأقترح أن يكون بالوثيقة مكانٌ يسمح لأي من الأطراف بإضافة الشَّرط الَّذي يُريده، فإذا لم يُضَف شيء فإنَّ المكان يظلُّ خاليًا بالوثيقة، وأظنُّ أنَّ ذلك مسألة تنفيذها ليس بالصعب.


 


فإذا أرادت المرأة بناءً على قوْل بعض الفقهاء أن تشترط على زوجِها أن تعمل عملاً معيَّنًا تكتب، وإذا سكتتْ فهي لم تشترِط.


 


إذا أرادت ألاَّ يُخرجها من دارِها، تكتب، وإذا سكتتْ فهي لم تشترط.


 


يبقى هذا أسلم وأفضل من تعْديل شروط، لعلَّ بعضَها كما هو في الوثيقة التي أمامي قد يكون غيرَ شرْعي، يعْني أنَّ مسألة مضاعفة المهْر كلَّ سنوات، أنا لا أدْري كيف يتضاعف؟! المهر والعقد يبرم مرَّة واحدة.


 


فعند إبرام العقْد يتَّفق على المهر، والتي تريد للمهر أن يتضاعف تفرِض مهرًا كبيرًا منذ البداية، ولكن هذه مسألة خطيرة وأنا لا أعلم له في العقود أصلاً، وأنَّ هذا حكم على المستقبل بيْنما لا يملك الإنسان الحكم على المستقبل.


 


الوثيقة المقترحة تفترِض في المتعاقدين سوءَ النِّيَّة، وأنا في الحقيقة ومن خِلال تفقُّدي لبنود الوثيقة - والكلام للدكتور جمال المراكبي - أعتقِد أنَّ أعظم هذه المشكلات ستترتَّب من ناحية لفْت نظر الفتَيات وزوْجات المستقبل؛ لأنَّ الجهة التي اقترحتْ هذه الوثيقة سيكون لها نشاطٌ ملحوظ في عقْد الدَّورات النسائيَّة والأمومة والطفولة، وحثّ الفتيات على عدَم الزَّواج إلاَّ بشروط معيَّنة لهنَّ، وهذه مسألة في غاية الخطورة؛ لأنَّها تفترِض في المتعاقدين سوء النيَّة.


 


والأصْل في الزَّواج أنَّه عقْدٌ يُثير المحبَّة والوئام بين الزَّوجين، فماذا بعد أن تكون المرْأة في عصْمة الرجُل، وتلتقي المرْأة مع الرجُل في منزل واحد ومكانٍ واحد؟! فما أعظم من هذا أن يتَّفق الرجُل والمرأة على مسائل المودَّة والرَّحمة في البيت بالنسبة للزَّوج والأوْلاد، أمَّا أن يبدأ الزَّواج بافتراض أن نتناقش في كلِّ مسألة من هذه المسائل، فربَّما لا تتعرَّض المرأة للسَّفر من عدمِه، فنأتي فنفترض هذه المسألة ونختلِف عليها، وطالما أنَّ هذه المسألة افتراضيَّة، فسيكون الكلام كلامًا افتراضيًّا وكلامًا جدليًّا، وأرى أنَّها ستفتح بابًا من الشَّرّ.


 


وكما قلت، يُمكن أن نخفِّف مقْصود هذه الوثيقة المفترَضة، وأظنّ أنَّ الوثيقة القديمة لا تَمنع من هذا، يعني: لو جاء إنسانٌ وقال للمأذون: اكتب على الوثيقة أنَّني أشترط كذا وكذا، وهذا الشَّرط جائز على مذهب فلان وفلان من أئمَّة الفقه، وقد وافق الطَّرف الثاني على هذا الشَّرط، ويكتب الشرط ولا شيء في هذا، والمسْلمون عند شروطهم.


 


أمَّا أن نفترض نحن شروطًا وتكون إجباريَّة أو تكون اختياريَّة، أظنُّ أنَّها ستفتح كثيرًا من أبواب الشَّرِّ عند بدء العلاقات الزوجيَّة.


 


وإنَّني أنصح الشَّباب من الفتيان والفتيات في حال تطْبيق الوثيقة وخروجِها إلى حيِّز التَّنفيذ أن يكونوا على درجة من الاستِعْداد لكي يتعاملوا تعاملاً شرعيًّا مع الوثيقة؛ حتَّى لا تحدُث آثار مدمِّرة على مسألة الزَّواج بوجْه عام.


 


كما ينبغي على الأُسَر أن يهتمُّوا بتعْليم الشَّباب هذه الأمور الحياتيَّة، فأمور الزَّواج أمور تنضبِط بالشَّرع وتنضبط بالمصلحة، وأنا أختار بحسب الشَّرع وبحسب المصْلحة أختار المرأة الَّتي تناسبني، فكيف أظفر بذات الدين إنْ لم أكُن على علم بأمور الدِّين، وعلى علم بصاحِب الدين من الَّذي يمرق ويترك دين الله؟!


 


هذه المسألةُ تَحتاج إلى تعْليم وتثْقيف للشَّباب، وفي نهاية التَّحقيق نضع تساؤلاً ربَّما نجد إجابة عليْه: لصالح مَنْ تخرج عليْنا جهة أو أخرى بمثل هذه الوثيقة؟



تاريخ الاضافة: 26-11-2011
طباعة