كونوا أنصارًا للسنة لتكونوا أنصار اللَّه



كونوا أنصارًا للسنة لتكونوا أنصار الله


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]




نداءٌ عظيم من ربٍّ جليل عظيم يُنادي على أوليائه من عباده المؤمنين، ختم اللَّه - تعالى - به سورة "الصف"؛ ليبين للمؤمنين أن سبيلَ النَّصر والعزِّ والتمكين واحد، هو نصرة دين اللَّه – تعالى - كما نصره السابقون الأولون، فنصرهم اللَّه - عزَّ وجلَّ - نصرًا مؤزرًا، وأظهر بهم دينه على الدِّين كله، وما النصر إلا من عند اللَّه العزيز الحكيم، يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، ويؤيد بنصره من يشاء، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.


 


نصر اللَّه لعباده المؤمنين:


فاللَّه ينصر عباده المؤمنين، ويدافع عن الذين آمنوا كما نصر عباده المرسلين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ *‏ ‏أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج: 38 - 41].


 


كيف نحقق النصر؟


إنَّ أول سبيل لتحقيق النَّصر هو سبيل الإيمان باللَّه - تعالى - فلا سبيلَ لتحقيق النصر إلا بالإيمان بتجريد توحيد اللَّه - عزَّ وجلَّ - ربًّا خالقًا رازقًا مدبرًا لأمر هذا الكون، وهذا هو توحيد الربوبية.


 


وبتوحيد اللَّه - عزَّ وجلَّ - بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا، والتعرف على اللَّه من خلالها دون نفي أو تحريف وتعطيل، ودون تَمثيل ولا تكييف، بل إثبات ما أثبت اللَّه لنفسه من أسماء وأوصاف، والتعبد للَّه - سبحانه وتعالى - بمقتضى هذه الأسماء والصفات، دون تَمثيل ولا تكييف؛ لأنَّه سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].


 


مع قطع الطمع عن إدراك كيفيَّة ذات اللَّه وصفاته؛ لأنَّه – سبحانه - أجل وأعلى من أنْ يُحيط العباد بكيفية ذلك، فله - سبحانه - المثل الأعلى، ولا يُحيطون به علمًا، وبغير هذه المعرفة لا يكون المرء مؤمنًا عابدًا للَّه – تعالى - ومن هذه المعرفة ينطلق المؤمن إلى عبادة اللَّه وحْدَه لا شريك له، محققًا قوله - تعالى -: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وعاملاً بوصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف)).


 


متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:


ولا سبيل للنصر إلا بالاستجابة للَّه ولرسوله، وبمتابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أقواله وأفعاله وتقريره، بل وفي تركه، وبالسير على منهج السَّلف الصالح الذين حقَّقوا الإيمان والمتابعة، فكانوا بحق أنصارًا للَّه – تعالى - وحقق اللَّه النصر بأيديهم وبجهادهم، حتى رَضِيَ اللَّه عنهم؛ ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].


 


إن متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإحياء سنته نصرٌ لدين اللَّه ونصر لرسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسبيل للوصول إلى رضوان اللَّه - عزَّ وجلَّ - فإن تخلينا عن هذا كله، وتولَّينا وأعرضنا، نصر اللَّه دينه ونصر رسوله، وجاء بقوم غيرنا يُحبهم ويُحبونهم يُحقق بهم هذا النصر؛ ولهذا فإنه - تعالى - يقول لعباده المؤمنين: ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، ويقول أيضًا: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]، ويقول تعالى معاتبًا كل من يتخلف عن نصرة نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].


 


وأعظم ما يُتابع عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ يتابع في أمور الإيمان والعقيدة السليمة التي جاء بها ودعا إليها، وترك ضلالات المضلين من الفلاسفة والمتكلِّمين الذين خاضوا في صفات ذي الجلال والإكرام، وفي قضائه وقدره وحكمته، ووعده ووعيده بعقولهم الفاسدة وقواعدهم المُنحرفة، تاركين منهج الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أرسله ربه بالهدى وبالعلم النافع ودين الحق الواضح.


 


قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]؛ ولهذا نزه اللَّه - سبحانه - نفسه عن مناهج المضلين، وأثنى على منهج الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].


 


وحثنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على اتِّباع منهجه وسنته عند كثرة الاختلاف وشيوع الضَّلال؛ لأنَّ العصمة في هذا الاتباع، فقال: ((إنَّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد)).


 


توحيد الصف والجهاد في سبيل اللَّه:


ولن يحقق اللَّه لهذه الأمة النصر والظهور إلا إذا توحدت على منهج الحق، وتركت مناهج أهل البدع والضلال، وجندت نفسها للدعوة إلى اللَّه والجهاد في سبيل اللَّه، فإنَّ هذا هو سبيل الفوز والنجاة وتحقيق النصر المبين.


 


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10 - 13]، ولن يتحقق هذا بمجرد الأمنيات ورفع الشعارات، وإنَّما يتحقق بالعمل الجاد الدؤوب؛ لتبصير المسلمين بمنهج أهل الحق أهل السنة والجماعة، والعمل على إحيائه والالتفاف حوله، وإعلان المجاهدة للنفس الأمَّارة بالسوء وللشيطان الرجيم، وللبدع والضلالات وللشرك والمشركين.


 


عقبات في سبيل تحقيق النصر:


1- التساهل في أمور الإيمان والتفريط في متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإحياء منهج السلف الصالح، والزعم أن غيره من المناهج صالح لإصلاح حال الأمة، كقول بعضهم: "منهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم"، فلن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.


 


2- رفع الشعارات البراقة والوعود الزائفة والاكتفاء بالقول دون العمل، وقد عاب اللَّه ذلك بقوله: ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 2 - 4].


 


3- إيذاء الرسول بترك متابعته ومعارضة منهجه والزيغ عن سبيله؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].


 


كيف نصر المؤمنون السابقون دين اللَّه؟


لقد قال المولى - سبحانه وتعالى -: ﴿ كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]، فقام المسلمون الأولون بنصر دين اللَّه ونصر رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - خير قيام حتى حقق اللَّه وعده، فنصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، وكان أول من قام بهذه النصرة لدين اللَّه المهاجرون الأولون، ثم الأنصار، فقال اللَّه - عزَّ وجلَّ - عنهم - وكفى باللَّه شهيدًا -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 8 - 9]، ولهذا فلا سبيل لنا لتحقيق النصر إلا بمتابعتهم بإحسان، وإحياء منهجهم، وإعزاز دين اللَّه باقتفاء أثرهم وإعلان محبتهم والترضِّي عنهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


 


حب السابقين علامة على الإيمان:


إنَّ حب السابقين الأولين علامة على الإيمان، واتباع منهجهم سبيل النصر والتمكين، وإنَّ بغضهم علامة على النفاق، وترك منهجهم سبيل الضعف والتفرُّق والاختلاف؛ قال رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق))، ودعا لهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار))، اللهم اجعلنا لهم تَبَعًا، وألحقنا بهم، وارزقنا محبتهم، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



تاريخ الاضافة: 13-10-2010
طباعة