رؤية عقدية لأخبار عالمية

إن الناظر والمتابع للأخبار يجد سيلاً من الأحداث والأخبار التي تمر على عموم الناس مرور الكرام، وينسي بعضها بعضًا، بل إن أكثر الناس يتابع ما يعرض في وسائل الإعلام بشيء من التبلد أو عدم المبالاة.

ولكن الناقد، صاحب المعتقد الصحيح ينبغي أن يتابع هذه الأحداث برؤية نقدية عقدية، وسوف أضرب مثلاً لبعض هذه الأخبار التي ربما لا يتوقف الناظر عندها طويلاً، بينما تستوقف صاحب المعتقد الصحيح فيخرج منها برؤية إيمانية يزداد بها إيمانًا ويقينًا.

الخبر الأول: الرئيس الأمريكي يطالب المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية بتدريس نظرية في أصل نشأة الخلق تسمى نظرية التصميم الذكي وذلك جنبًا إلى جنب مع نظرية النشوء والارتقاء المعروفة بنظرية دارون التي تثبت أن الخلق تطور عن صورته البسيطة التي هي الخلية الأولية، ثم وصل في ارتقائه إلى صورة الإنسان العاقل المهيمن على مقاليد هذه الحياة الدنيا.

وإلى هنا الخبر عادي، ولكن غير العادي وغير المتصور أن دعاة العلمانية في الولايات المتحدة هاجموا الرئيس زاعمين أن الرئيس يريد أن يروج لنظرية دينية غيبية لا تمت للبحث العلمي بصلة، وأن الرئيس باعتباره يمينيًا متدينًا يخرج على أصول وقواعد الدولة العلمانية.

ونحن لا نريد أن نناقش قضية كون الرئيس الأمريكي متدينًا أو حتى يمينيًا متطرفًا كما يقولون، فإن تدينه أو تطرفه لا يمثل وزنًا في رؤيته العقدية، لأنه يمارس هذا التطرف فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين، فيتهم الإسلام أولاً، بما هو منه براء، ثم يراجع نفسه ويتهم المسلمين أو بعض المسلمين بتهم تبدأ بالرجعية والتخلف وتنتهي بالإرهاب والتطرف، بينما هو أمام العلمانيين في أمريكا وغيرها حمل وديع بدون أنياب، ولا تظهر أنيابه إلا في العراق وأفغانستان، ومن يعترض فالمعتقلات في جوانتنامو أمامه، ومصير صدام وأخبار محاكمته بين يديه عبرة لمن يعتبر.

والحق يقال: فالرئيس الأميركي رجل ديمقراطي يقبل النقد طالما كان النقد في إطار الكلمات، وربما المظاهرات، ولكن لو ظهر في صورة أخرى، فمن ليس معه في حربه على الإرهاب فهو عدوه، يؤوي القاعدة ويمولها حتى لو كان شيوعيًا غير مسلم كالرئيس الفنزويلي شافيز.

وأقول للرئيس الأميركي: إن النظرية التي طالبت المدارس بتدريسها إلى جانب نظرية دارون، وقامت عليها الدنيا ولم تقعد هي النظرية الصحيحة التي جاء بها الدين الحق، والتي تقبلها العقول الصحيحة والفطر السليمة، فهذا الكون وراءه خالق عالم حكيم، أحكم كل شيء خلقه، وهدى كل مخلوق لما أراده منه كما قرر الكليم موسى في رده على فرعون حين قال: فمن ربكما يا موسى (49) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى (50) قال فما بال القرون الأولى (51) قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى {طه: 49- 52}.

وهذه هي الحقيقة العقلية التي تكلم عنها الفلاسفة قديمًا وصاغوا في سبيل إثباتها نظريات عقلية كلامية كحديثهم عن واجب الوجود ونظرية الحدوث وأن لكل حادث محدثًا.

وقد أشار القرآن الكريم إلى قضية الخلق وأن الله هو خالق كل شيء في مواضع عديدة، خاطب فيها العقول وأمر أصحابها بالنظر والتأمل. قال تعالى: قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين، وقال تعالى: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج (7) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب (8) ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد (9) والنخل باسقات لها طلع نضيد (10) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج {ق: 6- 11}. وقال تعالى: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون {الطور: 35، 36}.

ولكن التيار العلماني يرفض مقتضيات العقول، ويدندن حول نظرية دارون زاعمًا أنها نظرية علمية تدل عليها التجارب العلمية، بعكس غيرها من النظريات العقلية التي يزعم أنها غيبية دينية لا يدل عليها العلم، والمراد بالعلم هنا نظريات الإلحاد التي يتبناها العلمانيون.

الخبر الثاني: الإعصار الذي ضرب سواحل الولايات المتحدة الأمريكية والمعروف بإعصار "كاترينا".

في بداية تحرك الإعصار نشرت صحيفة غربية رسمًا كاريكاتيريًا عبارة عن فنجان من الشاي ورسمت الإعصار في داخل الفنجان وكتبوا تحت الرسم: "الإعصار في الدول المتقدمة زوبعة في فنجان، ورسموا رسمًا آخر عبارة عن إعصار هائج يعصف بالفنجان، وكتبوا: الإعصار في الدول النامية.

والمعنى واضح، فالأعاصير يتم رصدها والتعامل معها بوسائل التقنية الحديثة للتخفيف من آثارها المدمرة، ولا تملك هذه الوسائل إلا الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أما الدول النامية فتعصف بها الأعاصير والكوارث الطبيعية التي تقتل الآلاف وتشرد الملايين كما حدث في الزلزال الذي ضرب المحيط الهندي وأدى إلى خروج أمواج المحيط تعصف بشواطئ دول عديدة في شرق آسيا وراح ضحيته أكثر من مائة ألف قتيل في أندونسيا وما حولها في العام الماضي وما تزال آثار الكارثة قائمة حتى الآن.

ولكننا فوجئنا في الأيام التالية بالذعر في تصريحات المسئولين عن الولايات التي ضربها الإعصار، لقد أغرقت المياه مدينة بأكملها وهي نيو أورليانز، وضربت ثلاث ولايات أمريكية وحطمت محطات بترولية، وبدأ الصراخ يعلو في أمريكا، وظهرت القوة العظمى والقطب الأوحد في صورة دولة نامية ضربتها كارثة مدمرة، وبدأت المساعدات الإنسانية تتسلل على استحياء من بعض الدول، حتى أعلن الرئيس الأمريكي استعداد بلاده لقبول المساعدات الإنسانية من كافة دول العالم نظرًا لحجم الكارثة، والارتفاع الجنوني في أسعار البترول، فانهالت المساعدات بصورة لم يسبق لها مثيل، حتى إن دولة صغيرة مثل الكويت قدمت خمسمائة مليون دولار مساعدات إنسانية وبترولية للدولة العظمى، وعلت الأصوات داخل الولايات المتحدة باتهام الرئيس وإدارته بأنه لم يحسن التعامل مع الأزمة، وارتفعت أصوات السود والملونين تتهم الولايات المتحدة باستمرار نزعتها العنصرية وتم إجلاء سكان المناطق المضروبة، وإرسال قوات أمن لمنع عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المناطق المنكوبة.

ثم وردت أخبار الإعصار الثاني إعصار "ريتا" فازداد الهلع والفزع وقدرت أجهزة الرصد أن درجة الإعصار بلغت خمس درجات وهي أعلى درجة تدميرية، وتم إجلاء السكان الذين كانوا قد بدأوا في العودة، ولكن بقدرة عجيبة خفتت حدة الإعصار ثم تحول إلى ريح هادئة أو نسمة رقيقة.

ونعلم جميعًا أن رب العالمين سبحانه مدبر الأمر ومالك الملك يقول للشيء كن فيكون.

الخبر الثالث: ثم كانت انتخابات الرئاسة في مصر بمثابة إعصار يحرك الركود في الحياة السياسية والحزبية في مصر، وسمعنا لأول مرة أصواتًا تدعو للديمقراطية الليبرالية وتطالب بتغيير الدستور المصري، وتؤكد على تغيير المادة الثانية من الدستور والتي تقرر أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

إنه إعصار علماني جديد يريد أن يلتهم بلدنا الحبيب، لا يسره أن يقال دين الدولة الإسلام، فالدولة العلمانية لا تعترف بالدين، ولهذا كتبنا في العدد قبل الماضي مقالاً بعنوان: "ماذا نريد من الرئيس"؟ نحذر من هذا المد العلماني الخطير، ونؤكد على هوية مصر المسلمة كما جاء في الدستور المصري وكما هو مقرر في قلوب أغلبية المصريين.

ولأجل هذا أقول للمرشحين في الانتخابات البرلمانية المقبلة: نحن لا نلعب بالشعارات، ولا نحب من يعبث بالمقدسات، اعلموا أنكم على أبواب مسئولية عظيمة تحتاج إلى وعي وإلى علم وقوة، وأن الله عز وجل جعل الولاية أمانة، لا يقوى على حملها إلا الرجال أصحاب العلم والقدرة على تحقيق مصالح هذا الشعب.

قال تعالى: قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.

وقال تعالى على لسان يوسف: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم {يوسف: 55}.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين سأل الولاية: "إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".رواه مسلم.

وقال لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها".متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم : "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به".رواه مسلم.

واعلموا أنكم مسئولون عن شريعة الإسلام، وعن كل تشريع أو قانون يخالف هذه الشريعة، فاتقوا الله فينا، اتقوا الله في هذا الشعب يا رعاة هذا الشعب، واعلموا أنكم ستقفون بين يدي الله عز وجل فيسألكم: "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".متفق عليه.

الخبر الرابع: ثم كان الزلزال الذي ضرب الهند وباكستان، وتركزت الإصابة في كشمير المسلمة المتنازع عليها بين الهند وباكستان، ومن العجيب أن الكارثة هدأت كثيرًا من التوتر الموجود بين الجارتين النوويتين، وسمح ببعض التعاون للتخفيف من آثار الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من أربعين ألف قتيل، وأكثر من ثلاثة ملايين مشرد.

وأكثر ما ساء في هذا أن المساعدات لم تكن على المستوى اللائق ولا المطلوب، وكأن بعض الدول المسلمة قد اكتفت بما تم إرساله للولايات المتحدة في الإعصار، ولم يعد لديها ما تساعد به في كارثة الزلزال، أو كأن الزلزلة لم توقظ النائمين من سباتهم، وتشعرهم بقول ربنا عز وجل: إنما المؤمنون إخوة، وبقول نبينا صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

نسأل الله تعالى أن يقي بلادنا وبلاد المسلمين الزلازل والمحن، والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيذنا وبلادنا من شر الأشرار وكيد الفجار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تاريخ الاضافة: 13-10-2010
طباعة